صفة الوضوء في القرآن

اللقاء الشهري للشيخ ابن عثيمين عدد الزيارات: 323335 طباعة المقال أرسل لصديق

صفة الوضوء في القرآن{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ } [المائدة:6] قمتم: أي أردتم القيام، والصلاة هنا شاملة للفريضة والنافلة.
{ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } [المائدة:6] وهذا أول ركن من أركان الوضوء وما قبله سنة، ما هو الذي قبله؟

 التسمية، غسل الكفين ثلاثاً، هذه سنة، إن جاء بها الإنسان فهو أكمل وإن لم يأت بها فلا حرج عليه { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } [المائدة:6] غسلاً بدون فرك، وإن دلكت فلا بأس لا سيما إذا كان على وجهك شيء من الدهن، فهنا يتأكد أن تدلك الوجه؛ لأن الدهن يزل معه الماء.
والوجه من الأذن إلى الأذن، إذاً الشعر الذي بين الخد والأذن يعتبر من الوجه، هذا في العرض، في الطول: من منحنى الجبهة - سواء كان الشعر نازلاً عنه أو صاعداً عنه - من منحنى الجبهة إلى أسفل اللحية، لا بد أن يغسل هذا كله، ويدخل فيه المضمضة والاستنشاق، فلو قال قائل: إن الله لم يذكر المضمضة والاستنشاق، فالجواب سهل جداً: أين محل الأنف الذي هو محل استنشاق وأين محل الفم الذي هو محل المضمضة؟
الوجه، إذاً هما داخلان في غسل الوجه، وغسل الأنف بالاستنشاق وغسل الفم بالمضمضة.
قال الله تعالى: { وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ } [المائدة:6] إلى المرافق معناه أين المبتدأ؟
أطراف الأصابع؛ لأنه لما قال: { وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ } [المائدة:6] صار لا بد أن يكون من أطراف الأصابع إلى المرفق، والمرافق داخلة في الوضوء؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين ذلك، وهنا نقف لننبه على ما يغفل عنه كثير من الناس حيث كانوا يغسلون اليد من الكف إلى المرفق ظناً منهم أن غسلها قد تم قبل غسل الوجه، وهذا غير صحيح، ولا بد أن تغسلها من أطراف الأصابع إلى المرفقين.
وإذا كان على الإنسان جبة يصعب أن يحلها، ماذا يصنع أيمسح عليها؟
أليس لباس الرجلين -الخفين- يمسح عليه؟ لماذا لا نقول: إذا كان عليه جبة وكان الكم ضيقاً امسح عليه؟ نقول: لا.
لا يجوز، والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غزوة تبوك - و تبوك كما تعلمون باردة- كان عليه جبة ضيقة الأكمام، فلما تعسر عليه أن يخرج ذراعه منها أخرج اليد، وغسلها.
إذاً لا بد أن تغسل يديك بكل حال، ولا يمكن المسح.
قال الله تعالى: { وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ } [المائدة:6] ولم يقل اغسلوا تخفيفاً على العباد؛ لأنه لو ألزمنا بغسل الرأس لقلنا: سمعاً وطاعة، ولكن الرب الرحيم عز وجل جعل فرض الرأس المسح؛ لأن الرأس مترئس، ولو غسله الإنسان لساح الماء على جسده، وماذا يحصل من المشقة خصوصاً في أيام البرد؟
يحصل مشقة عظيمة، ولأن الرأس في الغالب مكسو بالشعر، والشعر إذا صببت عليه ماء أو غسلته متى ييبس؟ يأخذ مدة، فكان من حكمة أحكم الحاكمين ورحمة أرحم الراحمين أن جعل فرض الرأس المسح.
لم يذكر الله الأذنين، فنقول: أين محل الأذنين؟

في الرأس، وإذا كانتا في الرأس فهما داخلتان في عموم قوله: { وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ } [المائدة:6] والحمد لله على بيانه، فمهما حاول الإنسان أن يسقط مسح الأذنين لم يتمكن؛ لا من القرآن ولا من السنة، أما السنة فقد تواتر عن النبي عليه الصلاة والسلام أو استفاض عن الرسول عليه الصلاة والسلام، أنه كان يمسح أذنيه مع رأسه، ولكن كيف يمسح الرأس؟
امسح الرأس كما شئت، بيد واحدة تبرمها على الرأس كله أو باليدين الاثنتين، والمسحة الواحدة تكفي، لكن الأفضل أن ترجع من مقدم الرأس من عند الجبهة (هكذا بيديك على رأسك) ثم تمرهما على الرأس إلى الرقبة ثم تعود إلى المكان الذي بدأت منه، ثم تمسح الأذنين كل أذن بيد، إلا إذا لم تستطع بإحدى اليدين فابدأ بالأذن اليمنى قبل اليسرى.
كيف تمسح الأذنين؟
مسح الأذنين سهل، أدخل السبابة في الصماخ -في الفتحة- أدخلها إدخالاً فقط بدون أن تبرمها؛ لأن إبرامها يعني تكرار المسح، وأمر الإبهام على ظهر الأذن مرة واحدة؛ ولهذا قال العلماء: كل ممسوح فتكرار مسحه مكروه.
انظر إلى الضابط: كل ممسوح فتكرار مسحه مكروه؛ الرأس، الخفين، الجبيرة في التيمم مسحة واحدة، لكن انظر الفقه في الدين لماذا كره العلماء أن يكرر المسح؟
قالوا: لأن الله سبحانه وتعالى خفف في طهارته فجعلها مسحاً، وتخفيف الكيفية يدل على أن تخفيف الكمية أفضل.
الكمية ماذا تعني؟
العدد، والكيفية: المسح بدل الغسل، فإذاً نقول: لا تكرر مسح الرأس ولا مسح الأذنين.
قال الله عز وجل: { وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } [المائدة:6] أي: اغسلوا أرجلكم إلى الكعبين، والكعبان هما: العظمان الناتئان في أسفل الساق، وهما داخلان في الغسل.
وينبغي أن يخلل الإنسان بين أصابعه لا سيما أصابع الرجلين المتلاصقة؛ لأن الناس يختلفون في أصابع الرجلين، بعضهم تكون أصابعه متلاصقة، وبعضهم منفرجة، وبعضهم الإبهام مع التي تليها منفرجة والباقي متلاصق، ومع ذلك كله نقول: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لـ لقيط بن صبرة : ( خلل بين الأصابع ) فالتخليل بين الأصابع سنة، والواجب أن تتيقن أو يغلب على ظنك أن الماء دخل من بين الأصابع.
انتهى الوضوء.