الترغيب في كثرة تلاوة القرآن واستذكاره وتعاهده

تفسير ابن كثير ، الجزء : 1 ، الصفحة : 71 عدد الزيارات: 22037 طباعة المقال أرسل لصديق

استذكار القرآن وتعاهده حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن نافع عن ابن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة ، إن عاهد عليها أمسكها ، وإن أطلقها ذهبت هكذا رواه مسلم والنسائي من حديث مالك [ به ] .
وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل القرآن إذا عاهد عليه صاحبه فقرأه بالليل والنهار ، كمثل رجل له إبل ، فإن عقلها حفظها ، وإن أطلق عقالها ذهبت ، فكذلك صاحب القرآن .
أخرجاه ، قاله ابن الجوزي في جامع المسانيد ، وإنما هو من أفراد مسلم من حديث عبد الرزاق به وحدثنا محمد بن عرعرة ، حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : بئس ما لأحدهم أن يقول : نسيت آية كيت وكيت ، بل نسي ، واستذكروا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم .
تابعه بشر .
هو ابن محمد السختياني ، عن ابن المبارك ، عن شعبة .
وقد رواه الترمذي عن محمود بن غيلان ، عن أبي داود الطيالسي ، عن شعبة به وقال : حسن صحيح .
وأخرجه النسائي من رواية شعبة .
وحدثنا عثمان ، حدثنا جرير ، عن منصور مثله .
وتابعه ابن جريج عن عبدة ، عن شقيق : سمعت عبد الله قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا أسنده مسلم من حديث ابن جريج به ورواه النسائي في اليوم والليلة من حديث محمد بن جحادة ، عن عبدة وهو ابن أبي لبابة به .
وهكذا رواه مسلم عن عثمان وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم عن جرير به ، وستأتي رواية البخاري له عن أبي نعيم ، عن سفيان الثوري ، عن منصور به ، والنسائي من رواية ابن عيينة عن منصور به ، فقد رواه هؤلاء عن منصور به مرفوعا في رواية هؤلاء كلهم وقد رواه النسائي عن قتيبة ، عن حماد بن زيد ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن عبد الله موقوفا وهذا غريب وفي مسند أبي يعلى فإنما هو نسي بالتخفيف .
حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا أبو أسامة ، عن بريد ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تعاهدوا القرآن ، فوالذي نفسي بيده ، لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها .
وهكذا رواه مسلم عن أبي كريب محمد بن العلاء وعبد الله بن براد الأشعري ، كلاهما عن أبي أسامة حماد بن أسامة به .
وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن إسحاق ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، حدثنا موسى بن علي : سمعت أبي يقول : سمعت عقبة بن عامر يقول : [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ] تعلموا كتاب الله ، وتعاهدوه وتغنوا به ، فوالذي نفسي بيده ، لهو أشد تفلتا من المخاض في العقل .
ومضمون هذه الأحاديث الترغيب في كثرة تلاوة القرآن واستذكاره وتعاهده ؛ لئلا يعرضه حافظه للنسيان فإن ذلك خطر كبير ، نسأل الله العافية منه ، فإنه قال الإمام أحمد : حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا خالد ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عيسى بن فائد ، عن رجل ، عن سعد بن عبادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من أمير عشرة إلا ويؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه عن ذلك الغل إلا العدل ، وما من رجل قرأ القرآن فنسيه إلا لقي الله يوم القيامة يلقاه وهو أجذم .
هكذا رواه جرير بن عبد الحميد ، ومحمد بن فضيل ، عن يزيد بن أبي زياد ، كما رواه خالد بن عبد الله .
وقد أخرجه أبو داود عن محمد بن العلاء عن ابن إدريس ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عيسى بن فائد ، عن سعد بن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم بقصة نسيان القرآن ، ولم يذكر الرجل المبهم .
وكذا رواه أبو بكر بن عياش ، عن يزيد بن أبي زياد ، وقد رواه شعبة عن يزيد فوهم في إسناده ، ورواه وكيع عن أصحابه ، عن يزيد ، عن عيسى بن فائد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا .
وقد رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبادة بن الصامت فقال : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا عبد العزيز بن مسلم ، حدثنا يزيد بن أبي زياد ، عن عيسى بن فائد ، عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه منها إلا عدله ، وما من رجل تعلم القرآن ثم نسيه إلا لقي الله يوم القيامة أجذم .
وكذا رواه أبو عوانة ، عن يزيد بن أبي زياد ، ففيه اختلاف ، لكن هذا في باب الترهيب مقبول - والله أعلم - لا سيما إذا كان له شاهد من وجه آخر ، كما قال أبو عبيد .
حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : حدثت عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة والبعرة يخرجها الرجل من المسجد ، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أكبر من آية أو سورة من كتاب الله أوتيها رجل فنسيها .
قال ابن جريج : وحدثت عن سلمان الفارسي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أكبر ذنب توافي به أمتي يوم القيامة سورة من كتاب الله أوتيها رجل فنسيها .
وقد روى أبو داود والترمذي وأبو يعلى والبزار وغيرهم من حديث ابن أبي رواد ، عن ابن جريج ، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد ، وعرضت علي ذنوب أمتي ، فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها .
قال الترمذي : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وذاكرت به البخاري فاستغربه ، وحكى البخاري عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي أنه أنكر سماع المطلب من أنس بن مالك .
قلت : وقد رواه محمد بن يزيد الآدمي عن ابن أبي رواد ، عن ابن جريج عن الزهري ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم به .
والله أعلم .
وقد أدخل بعض المفسرين هذا المعنى في قوله تعالى : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ) [ طه : 124 - 126 ] ، وهذا الذي قاله هذا - وإن لم يكن هو المراد جميعه - فهو بعضه ، فإن الإعراض عن تلاوة القرآن وتعريضه للنسيان وعدم الاعتناء به فيه تهاون كثير وتفريط شديد ، نعوذ بالله منه ؛ ولهذا قال عليه السلام : تعاهدوا القرآن ، وفي لفظ : استذكروا القرآن ، فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم .
التفصي : التخلص يقال : تفصى فلان من البلية : إذا تخلص منها ، ومنه : تفصى النوى من التمرة : إذا تخلص منها ، أي : إن القرآن أشد تفلتا من الصدور من النعم إذا أرسلت من غير عقال .
وقال أبو عبيد : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم قال : قال عبد الله - يعني ابن مسعود - : إني لأمقت القارئ أن أراه سمينا نسيا للقرآن .
حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن عبد العزيز بن أبي رواد قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول : ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب يحدثه ؛ لأن الله تعالى يقول : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ) [ الشورى : 30 ] ، وإن نسيان القرآن من أعظم المصائب .
ولهذا قال إسحاق بن راهويه وغيره : يكره لرجل أن يمر عليه أربعون يوما لا يقرأ فيها القرآن ، كما أنه يكره له أن يقرأ في أقل من ثلاثة أيام ، كما سيأتي هذا ، حيث يذكره البخاري بعد هذا ، وكان الأليق أن يتبعه هذا الباب ، ولكن ذكر بعد هذا قوله :