تفسير قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا

فتاوى الشيخ ابن باز عدد الزيارات: 26142 طباعة المقال أرسل لصديق

تسأل عن تفسير قول الحق - تبارك وتعالى - : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26]؟.


على ظاهر الآية : إن الله لا يستحي الحياء يوصف بالرب جل وعلا كما في الحديث: (إن ربك حيي كريم). وفي الحديث الآخر أن سبعة دخلوا المسجد والنبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر الناس فجاء أحدهم فجلس في الحلقة يستمع والثاني والثالث خرج فلما فرغ النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديثه عليه الصلاة والسلام قال: (ألا أنبئكم بشأن الثلاثة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أما أحدهم فآوى فآواه الله، وأما الثاني فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه). متفق على صحته. فالمعنى أنه يوصف ربنا بالحياء على الوجه الذي يليق به، ليس من جنس حيائنا حياء الله يليق به ولا يعلم كيفيته إلا هو - سبحانه وتعالى - مثل ما نصفه بأنه يضحك ويغضب ويرضى ويرحم ويحب ويكره كل ذلك على الوحه الذي يليق به - سبحانه وتعالى -: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [(222) سورة البقرة]. إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [(42) سورة المائدة]. (إن الله يرضى لكم ثلاثا). (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهم الآخر كلاهما يدخلا الجنة). إلى أحاديث أخرى، فالمقصود أن الله -جل وعلا- المقصود بالصفات التي أخبر بها عن نفسه أو أخبر بها رسوله -عليه الصلاة والسلام- في الأحاديث الصحيحة، لكن على الوجه اللائق بالله نمرها؛ كما جاءت كما قال أهل السنة والجماعة نمرها كما جاءت مع الإيمان بها واعتقاد أنها حق، وأنها تليق بالله ولا يشابهه فيها الخلق - سبحانه وتعالى - كما قال - عز وجل - :قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [سورة الإخلاص]. وقال - سبحانه وتعالى - : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [(11) سورة الشورى]. وقال - سبحانه وتعالى - : فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [(74) سورة النحل]. قال مالك - رحمه الله تعالى - مالك بن أنس إمام دار الهجرة في زمانه، في القرن الثاني، وهكذا قال سفيان الثوري وابن عيينه وإسحاق بن راهويه والأوزاعي وأشباههم، قالوا في آيات الصفات والأحاديث: أمروها كما جاءت. أمروها بلا كيف. يعني أمروها واعتقدوا معناها وأنه حق لائق بالله لايشابهه في ذلك خلقه فهكذا الحياء: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً [(26) سورة البقرة]. وفي آية الأحزاب: وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ [(53) سورة الأحزاب]. وهو - سبحانه وتعالى - لا يستحيي أن يضرب الامثال بالبعوضة أو بالعنكبوت كما وقع في سورة العنكبوت، أو بالذباب كما وقع في سورة الحج، فضرب مثلاً بالذباب كل هذا حق لبيان الحق وإيضاح الحق لعباده - سبحانه وتعالى - هذا ليس في هذا حياء. وكذلك رسله وأنبياؤه وأهل العلم لا يستحون أن يوضحوا للناس الحق بالأمثال وإن كانت الأمثال في أشياء حقيرة من الدواب، فربنا يوصف بالحياء، ويقال إنه حيي كريم، ويقال إنه لا يستحيي من كذا وكذا على الوجه اللائق بالله، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته، ولا يماثلهم، بل هو موصوف بصفات الكمال على الوجه اللائق بالله، ولا يعلم كيفيتها إلا هو، فهو يضحك ولا نعلم كيف يضحك الله الذي يعلم هذا - سبحانه وتعالى - لكن نعلم أنه ضحك ليس مثلنا، بل ضحك كامل يليق بالله لا يشابه ضحك المخلوقين، كذلك يرضى ونعلم أنه يرضى، ولكن ليس كرضائنا نعلم أنه يرحم ليس كرحمتنا، نعلم أنه يغضب ليس كغضبنا، نعلم أنه سميع ليس كأسماعنا بصير ليس كأبصارنا وسمعنا كل هذا يليق بالله، وهكذا بقية الصفات كلها تليق بربنا لا يشابه فيها خلقه في وجه من الوجوه، خلافاً لأهل البدع من الجهمية والمعتزله ومن شاركهم في بعض ذلك كالأشاعرة وما أشبه ذلك. الواجب على المسلم أن يتقي الله وأن يسير على منهج رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى منهج أئمة السنة من أهل السنة والجماعة، وذلك بالإيمان بأسماء الله وصفاته وإمرارها كما جاءت، واعتقاد أنها حق، وأنها لائقة بالله، وأنه - سبحانه وتعالى - ليس له مثيل، ولا شبيه، ولا نظير، وأنه أعلم بصفاته وكيفيتها من خلقه - سبحانه وتعالى -: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ فنمرها كما جاءت، ونقول أنها حق، ولكن من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل نقول كما قال السلف الصالح: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ - سبحانه وتعالى -. جزاكم الله خيراً ونفع بعلمكم.